الوثائق الإلكترونية: اشكالاتها القانونية وتحدياتها الفنية

إن الناظر في الطابع العام الذي وسم نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة يجده لا يخرج عن كونه طابع تقني اتصالى معرفي، وقد أظهرت الأحداث والوقائع أن التطور بمختلف اتجاهاته، وامتلاك أسباب القوة وعناصر التحكم وإمكانات اتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى توافر المعلومات كمّاً ونوعاً، ومدى موثوقية تلك المعلومات. وقد استطاعت التقنية الحديثة أن تغزو كل القطاعات والمجالات المعرفية، واستطاع كل قطاع أن يندمج و يفيد منها كلُ قدر استطاعته واستعداده. و على الرغم من ذلك ظل قطاع الوثائق والأرشيف بمعزل عن هذه التطورات التقنية، ولم يندمج معها بالقدر الذي اندمجت به سائر القطاعات متخذاً من الخصوصية والسرية مبدأ له؛ إذ ظل العمل التوثيقي و الأرشيفي في عالمنا العربي- ولا يزال- في الدرجات الدنيا من السُلم الوظيفي، وظل العاملون في هذا القطاع مجهولين . غير أن هذا الانعزال لم يكن ليدوم طويلاً؛ إذ أفرزت هذه التكنولوجيا مستجدات كان على الوثائقيين والأرشيفيين ضرورة التعامل معها، ومحاولة السيطرة عليها؛ إذ ظهرت مصادر المعلومات الإلكترونية ، والوسائط الإلكترونية التي يختلف التعامل معها كلياً عن التعامل مع مصادر المعلومات التقليدية ووسائطها. وأدرك الوثائقيون والأرشيفيون عِظم المسئولية الملقاة على عاتقهم؛ فهم المسئولون عن حفظ هذا التراث الوثائقي الذي تبذل منظمة اليونسكو جهوداً كبيرة في حمايته وإيصاله للأجيال القادمة. من هنا أصبح من الضروري النظر إلى العمل التوثيقي والأرشيفي بدلالة عصرية، كذلك النظر في دور الوثائقي والأرشيفي في العصر الإلكتروني؛ ذلك الدور الذي ضبطه علم الأرشيف بالنسبة إلى الوثائق التقليدية. كما فرضت التكنولوجيا الحديثة إشكالات جديدة متعلقة بالكتابة الإلكترونية، والتوثيق والتوقيع الإلكتروني، ومدى حجية الوثائق الإلكترونية في الإثبات، وحفظ الوثائق الإلكترونية، ووسائط الحفظ الإلكترونية ومدى ملاءمتها للحفظ طويل المدى. كذلك ظهرت مصطلحات جديدة مرتبطة بالوثائق في البيئة الإلكترونية مثل الميتاداتا Metadata ، ونقل البيانات إلى بيئات برامج جديدة Migration ، كما أظهرت المستجدات التكنولوجية أهمية الوظيفة الأرشيفية Archival Function ، وأهمية التدخل الأرشيفي Archival Involvement في كامل دورة حياة الوثائق الإلكترونية، إن أردنا بقاء هذه الوثائق الإلكترونية متاحة ومفهومة على الدوام مهما تغيرت التقنيات المستخدمة في إنشائها، بهدف إطلاع الأجيال اللاحقة على ماضيهم الذي هو حاضرنا.